الخميس، 19 نوفمبر 2009

الأبواب تتحدث

ربما تحدثت الجمادات من هول ما ترى و تسمع، و من هول ما تشهد من ظلم البشر .. ها هى الأبواب لمختلف الأبنية تتحدث اليوم على لسان الشاعر.. أحمد مطر

أصل الباب الخشبي هو شجرة شامخة في الغابة يحترمها الجميع فإذا بالفأس يقتلعها من جذورها ليحولها إلى باب مقيد بمفصل خشبي لا يتحرك إلا ليخدمهم خدمة العبيد للسيد.

و للباب وجهان:ظاهر و باطن، الباطن يطل على أحوال المنزل و دفئه شتاء و برودته صيفا؛ فهو فى عزلة عن مصاعب الحياة الخارجية، و مع ذلك فالباطن يحسد الظاهر فقط لأنه فى الخارج!

و ها هو باب آخر مظلوم يصفقونه بشدة إذا غضب أحدهم من الآخر و ليس له ذنب فى خلافاتهم.

و الأبواب درجات و أنواع مثلما البشر: فمنهم العزيز، و منهم الذليل، منهم المحظوظ و منهم ذو الحظ السيئ.. ثم إنهم يتحاسدون فيما بينهم!

كما نلاحظ التعبير بلسان الحال، و فلسفة إسقاط حديث الباب على الشعب العربى، و ما وصل إليه حالهم وسط العالم؛ يصب تلك المعانى فى قالب هزلى.


 

كُنّا أسياداً في الغابة.

قطعونا من جذورنا.

قيّدونا بالحديد. ثمّ أوقفونا خَدَماً على عتباتهم.

هذا هو حظّنا من التمدّن

ليس في الدُّنيا مَن يفهم حُرقةَ العبيد

مِثلُ الأبواب !

***

وَحْدَهُ يعرفُ جميعَ الأبواب

هذا الشحّاذ.

ربّما لأنـه مِثلُها

مقطوعٌ من شجرة !

***

 

( إلعبوا أمامَ الباب )

يشعرُ بالزَّهو.

السيّدةُ

تأتمنُهُ على صغارها !

***

صدرُهُ المقرور بالشّتاء

يحسُدُ ظهرَهُ الدّافىء.

صدرُهُ المُشتعِل بالصّيف

يحسدُ ظهرَهُ المُبترد.

ظهرُهُ، الغافِلُ عن مسرّات الدّاخل،

يحسُدُ صدرَهُ

فقط

لأنّهُ مقيمٌ في الخارِج !

***

أَهوَ في الدّاخل

أم في الخارج ؟

لا يعرف.

كثرةُ الضّرب

أصابتهُ بالدُّوار !

***

ليسَ لها بيوت

ولا أهل.

كُلَّ يومٍ تُقيم

بين أشخاصٍ جُدد..

أبوابُ الفنادق !

***

لم يأتِ النّجارُ لتركيبه.

كلاهُما، اليومَ،

عاطِلٌ عن العمل !

***

هاهُم ينتقلون.

كُلُّ متاعِهم في الشّاحِنة.

ليسَ في المنـزل إلاّ الفراغ.

لماذا أغلقوني إذن ؟!

 

***

 
 
 

-حسناً..

هوَ غاضِبٌ مِن زوجته.

لماذا يصفِقُني(يغلقنى بشدة) أنـا ؟!

***

لولا ساعي البريد

لماتَ من الجوع.

كُلَّ صباح

يَمُدُّ يَدَهُ إلى فَمِـه

ويُطعِمُهُ رسائل !

***

( إنّها الجنَّـة ..

طعامٌ وافر،

وشراب،

وضياء ،

ومناخٌ أوروبـّي.)

يشعُرُ بِمُنتهى الغِبطة

بابُ الثّلاجة !

***

في ضوء المصباح

المُعلَّقِ فوقَ رأسهِ

يتسلّى طولَ الليل

بِقراءةِ

كتابِ الشّارع !

***

( ماذا يحسبُ نفسَه ؟

في النّهاية هوَ مثلُنا

لا يعملُ إلاّ فوقَ الأرض.)

هكذا تُفكِّرُ أبواب المنازل

كُلّما لاحَ لها

بابُ طائرة.

***


 

الجَرسُ الذي ذادَ عنهُ (حفظه من) اللّطمات ..

غزاهُ بالأرق.

لا شيءَ بلا ثمن !

***

 

- أنتَ رأيتَ اللصوصَ، أيُّها الباب،

لماذا لم تُعطِ أوصافَـهُم ؟

- لم يسألني أحد !

***

في دُكّان النجّار

تُفكّرُ بمصائرها:

- روضةُ أطفال ؟ ربّما.

- مطبخ ؟ مُمكن.

- مكتبة ؟ حبّذا.

المهمّ أنها لن تذهبَ إلى السّجن.

الخشَبُ أكثرُ رقّة

من أن يقوم بمثلِ هذه المهمّة !

***


 

الأبوابُ تعرِفُ الحكايةَ كُلَّها

من ( طَقْ طَقْ )

إلى ( السَّلامُ عليكم.)

***


 

الأحد، 8 نوفمبر 2009

أنشودة الحزن

الصباح يعنى الإشراق ..يعنى الأمل.. يعنى البسمة.. مع أول صوت لعصفور الصباح ينتشي القلب فرحا بيوم جديد، لكن انطباعات الصباح قد تتحول إلى مشاعر أخرى عند إنسان أيامه مكررة نسخة واحدة بلا فرق سوى تاريخ اليوم، فكلها تبدأ بالبحث عن عمل في دوران مرهق، تليها بعض ألوان من التسالي المتواضعة لقتل الوقت.. لا يدرى كيف أمضاه و لا كم من الوقت مضى، و لعل ذلك يجلب المرح.. و لكنه لا يأتي، و ينتهي اليوم كما بدأ بلا جديد، و انطفأت مصابيح الأحلام برياح الواقع الأليم....أليس هذا سبباً كافيا للحزن؟

يا صاحبى إنى حزين

طلع الصباح فما ابتسمت و لم ينر وجهى الصباح

و خرجت من جوف المدينة أطلب الرزق المتاح

و غمست فى ماء القناعة خبز أيامى الكفاف

و رجعت بعد الظهر فى جيبى قروش

فشربت شايا فى الطريق

و رتقت نعلى

و لعبت النرد الموزع بين كفى و الصديق

قل ساعة أو ساعتين

قل عشرة أو عشرتين

صلاح عبد الصبور