الأحد، 28 يونيو 2009

هربت

عندما يضيق الإنسان بنفسه أو تضيق نفسه به؛ يجد جدراناً طويلة قد امتدت حوله مثل قضبان السجن، فإذا بالمنزل الذي يفترض أنه سكنه و مستقر هدوئه و راحة باله؛ كالنار المشتعلة من حوله تريد أن تفترسه و تلسعه، فما أشد الوحدة و عذاب الفكر الشريد، فلم البقاء إذن في المنزل؟ فلينطلق في أرض الله الواسعة لعله يجد ما يشغله و يملأ فكره المضطرب و لكن كيف يرى جمالاً حوله؟ و هل ينبع جمال الكون إلا من جمال النفس؟ كيف يريد السعادة و قد كتبت عليه الوحدة؟ حقاً انه خرج بلا هدى فليس لديه حبيب و لا صديق ينوى مقابلته إنما هو الهروب... هروب من المكان و يا ليته كان هروباً من الأحزان.

ثم ماذا؟ عندما يحل التعب لا مفر من العودة من حيث أتى... لتعيد الأيام دورتها من جديد.


 

أخلو وحيدا بداري فما يقر قراري

أحس ما دمت فيها لذعا كلذع النار

حيران أسأل عما به يتاح قراري

فإن تسنى سبيل هربت دون انتظار

هربت لا لحبيب تشتاقه أنظــــــاري

هربت لا لصديق أبدي له أســــراري

هربت لا لحديث في ندوة السمـــــــار

أسير دون اتجاه مبلبل الأفكـــــــــــــار

الكون حولي جميل و مقلتي في ازورار

و النهر عاص بعيني رغم النمير الجاري

أمضى و أمضى فلما تعبت يممت دارى

أظل فيها وحيدا فما يقر قراري

مأساة قلب وحيد تزداد بالتكرار


 

*** محمد رجب البيومي***


 


 

الجمعة، 19 يونيو 2009

كن بلسما

هل يصح أن يكون الإنسان مرآة لغيره من الناس؟ إن أحسنوا أحسن إليهم و إن أساءوا أساء؟

هل يرضى من يربط العطاء بالجزاء بأن يكون أقل من الزهرة الفواحة بالعطر الجميل تمتع كل من حولها أو الطير الشادي عذب الصوت يطرب السامعين، هل تنتظر هذه المخلوقات الشكر من الناس؟ كلا .. إنها فطرتها التي فطرها الله عليها، فقد ألهمها الله سر الحياة: أن السعادة في العطاء لا الأخذ... ألا يتعلم الإنسان من الطير و الزهر فيكون بمثل هذا النقاء و الصفاء؟

إن كانت الدنيا من حولك تفيض مرارة و خبثاّ، قسوة و لؤماً، فلتكن أنت اللسان العذب و القلب الحنون و العلاج الشافي لأحزان الحياة، بالكلمة الطيبة تلين القلوب و البسمة الحانية تزيل الخطوب و جفاء المشاعر بالرفق يذوب... و ليس هناك من دواء آخر.

و قدم المحبة للجميع.... ألا يكفى ما للحب من


مآثر؟


بالحب تشرق الدنيا و تزدهر و تصبح الأشواك حريرا و الفقر غنى و البيت الصغير قصرا و ينعكس جمال الروح على الحياة فتراها جميلة رغم كل شيء.


كن بلسما إن صار دهرك أرقما *** و حلاوة إن صــــــــار غيرك علقـماً

أحسن و إن لم تجز حتى بالثنـــا *** أى الجــــــــزاء الغـيث يبغي إن هما

من ذا يــــــكافئ زهــــرة فواحة *** أو من يثيب البــــــــــــلبل المتـرنما؟

عد الكــرام المحسنين و قســــهم *** بهما تجد هذين منهما أكـــــــــــــرما

يا صاح خذ علم المــــحبة عنهما *** إني وجدت الحب علـــــــــــــماً قيماً

أحبب فيغدو الكوخ قصــــراً نيراً *** و ابغض فيمسي الكون سجناً مظلماً

لا تطلبن محـــــــــبة من جـــاهل *** المرء ليس يحب حتى يفـــــــــــهما


****ايليا أبو ماضي****


لتكن أنت الأفضل،

الاثنين، 8 يونيو 2009

أين الشباب؟

الشباب نعمة لا يشعر بها إلا الشيوخ الذين تقدمت بهم السن و ووصل بهم قطار العمر إلى محطته الأخيرة حيث يتذكر العجوز أيام صباه الجميلة و أنى له الذكرى؟ هل تعيد من الماضي شيئاً سوى الحسرة و التنهدات الأليمة؟ ،فالشيخوخة ضعف يجعل الجسم كله متهالكاً لا يكاد يقوى على شيء: وجهه ينطق بملامح العجز و الكبر، رؤيته للأشياء من حوله ضبابية لا يكاد يميز الوجوه ,أما الأصوات فكأنها آتية من آخر الدنيا ، فإذا أراد القيام من مجلسه جذبه مرة أخرى؛ فليس لديه عزم النهوض و الحركة، و أحزان الشيوخ جبال راسيات فإن طول العمر يشهدهم وفاة الأهل الواحد تلو الآخر و زوال الأحبة أشد وقعا على النفس من انكسارها بين يدي العجز و الوحدة.

نأسف عند سماع خبر موت أحدهم و هو في ريعان شبابه و لا نعلم أنه الله قد وقاه إحساس ذلك الشيخ العجوز الفاني الذي يتمنى الموت ليريحه من عذابه ..فهلا رأينا حكمة الله و تصريفه للأمور و نشكره في كل الأحوال.

أين أيام لذتي و شبابي أتراها تعود بعد الذهاب

ذاك عهد قد مضى و أبعد شيء أن يرد الزمان عهد التصابي

فأديرا على ذكراه إني منذ فارقته شديد المصاب

كل شيء يسلوه ذو اللب إلا ماضي اللهو في زمن الشباب

كيف لا أندب الشباب و قد أصبحت كهلا في محنة و اغتراب

أخلق الشيب جدتي و كساني خلعة منه رثة الثياب

و لوى شعر حاجبي على عيني حتى أطل كالهداب

لا أرى الشيء حين يسنح إلا كخيال كأنني في ضباب

و إذا ما دعيت حرت كأني أسمع الصوت من وراء حجاب

كلما رمت نهضة أقعدتني وينه لا تقلها أعصابي

فجعتني بوالدي و أهلي ثم أنحت تكر في أترابي

كل يوم يزول عنى حبيب يا لقلبي من فرقة الأحباب

*محمود سامي البارودي*