الاثنين، 8 يونيو 2009

أين الشباب؟

الشباب نعمة لا يشعر بها إلا الشيوخ الذين تقدمت بهم السن و ووصل بهم قطار العمر إلى محطته الأخيرة حيث يتذكر العجوز أيام صباه الجميلة و أنى له الذكرى؟ هل تعيد من الماضي شيئاً سوى الحسرة و التنهدات الأليمة؟ ،فالشيخوخة ضعف يجعل الجسم كله متهالكاً لا يكاد يقوى على شيء: وجهه ينطق بملامح العجز و الكبر، رؤيته للأشياء من حوله ضبابية لا يكاد يميز الوجوه ,أما الأصوات فكأنها آتية من آخر الدنيا ، فإذا أراد القيام من مجلسه جذبه مرة أخرى؛ فليس لديه عزم النهوض و الحركة، و أحزان الشيوخ جبال راسيات فإن طول العمر يشهدهم وفاة الأهل الواحد تلو الآخر و زوال الأحبة أشد وقعا على النفس من انكسارها بين يدي العجز و الوحدة.

نأسف عند سماع خبر موت أحدهم و هو في ريعان شبابه و لا نعلم أنه الله قد وقاه إحساس ذلك الشيخ العجوز الفاني الذي يتمنى الموت ليريحه من عذابه ..فهلا رأينا حكمة الله و تصريفه للأمور و نشكره في كل الأحوال.

أين أيام لذتي و شبابي أتراها تعود بعد الذهاب

ذاك عهد قد مضى و أبعد شيء أن يرد الزمان عهد التصابي

فأديرا على ذكراه إني منذ فارقته شديد المصاب

كل شيء يسلوه ذو اللب إلا ماضي اللهو في زمن الشباب

كيف لا أندب الشباب و قد أصبحت كهلا في محنة و اغتراب

أخلق الشيب جدتي و كساني خلعة منه رثة الثياب

و لوى شعر حاجبي على عيني حتى أطل كالهداب

لا أرى الشيء حين يسنح إلا كخيال كأنني في ضباب

و إذا ما دعيت حرت كأني أسمع الصوت من وراء حجاب

كلما رمت نهضة أقعدتني وينه لا تقلها أعصابي

فجعتني بوالدي و أهلي ثم أنحت تكر في أترابي

كل يوم يزول عنى حبيب يا لقلبي من فرقة الأحباب

*محمود سامي البارودي*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق