الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

نبوءة الشتاء

الشتاء.. ببرودته و عواصفه؛ و شمسه الغائبة و سحاباته الكثيفة؛ و برقه و رعده؛ و دموعه المنهمرة سيولا؛ له مع الشعراء وقفة طويلة و حديث خاص..فقد أسر الشتاء لصلاح عبد الصبور ببعض الأحداث التي سوف تحتويها أيامه و شهوره.

أخبره أنه سيموت وحيدا بعد أن يجف قلبه و يموت فلا يشعر به أحد و لا يحزن عليه مخلوق؛ حتى أبيات شعره التي من أجلها أضاع حياته و أمات قلبه لم تنفعه و تأسى لحاله..و سبب الوفاة جرح نازف في الرأس- ربما من فكرة انفجرت في رأسه - استمر الجرح سنيناً و لم يسع أحد إلى علاجه و مداواته.

و لما نظر إليه الشاعر نظرة استعطاف - أو ربما لوم و عتاب – مستفسرا عن سبب هذه النهاية الأليمة؛ باح له الشتاء بالسر : لكي يتجنب هذا المصير كان عليه أن يختزن من ذكريات الصيف الجميلة الدافئة ما يعينه على تحمل برودة الشتاء, و حيث أن الشاعر كان سفيهاً مبذراً– باعترافه- فقد أضاع كل مشاعره و حبه قبل حلول الشتاء فاستحق تلك النبوءة.

ينبئني شتاء هذا العام أنني أموت وحدي

ذات شتاء مثله.. ذات شتاء

ينبئني هذا المساء أنني سأموت وحدي

ذات مساء مثله.. ذات مساء

و أن أعوامي التي مضت كانت هباء

و أنني أقيم في العراء

ينبئني شتاء هذا العام أن داخلي

مرتجف بردا

و أن قلبي ميت منذ الخريف


 

ينبئني شتاء هذا العام أن هيكلي مريض

و أن أنفاسي شوك

و أن كل خطوة في وسطها مغامرة

و قد أموت قبل أن تلحق رجل برجل

في زحمة المدينة المنهمرة

أموت لا يعرفنى أحد

أموت لا يبكينى أحد


 

ينبئني شتاء هذا العام أن ما ظننته

شفاي كان سمى

و أن هذا الشعر حين هزني أسقطني

و لست أدرى منذ كم من السنين قد جرحت

لكنني من يومها ينزف رأسي


 

الشعر ذلتي التي من أجلها هدمت ما بنيت

من أجلها خرجت

من أجلها صليت

و حينما علقت كان البرد و الظلمة و الرعد

ترجني خوفا

و حينما ناديته لم يستجب

عرفت أنى ضيعت ما أضعت


 

ينبئنى شتاء هذا العام أننا لكى نعيش فى الشتاء

لابد أن نخزن من حرارة الصيف و ذكرياته دفئا

لكنني بعثرت كالسفيه في مطالع الخريف

كل غلالى.. كل حنطتى و حبى

الخميس، 19 نوفمبر 2009

الأبواب تتحدث

ربما تحدثت الجمادات من هول ما ترى و تسمع، و من هول ما تشهد من ظلم البشر .. ها هى الأبواب لمختلف الأبنية تتحدث اليوم على لسان الشاعر.. أحمد مطر

أصل الباب الخشبي هو شجرة شامخة في الغابة يحترمها الجميع فإذا بالفأس يقتلعها من جذورها ليحولها إلى باب مقيد بمفصل خشبي لا يتحرك إلا ليخدمهم خدمة العبيد للسيد.

و للباب وجهان:ظاهر و باطن، الباطن يطل على أحوال المنزل و دفئه شتاء و برودته صيفا؛ فهو فى عزلة عن مصاعب الحياة الخارجية، و مع ذلك فالباطن يحسد الظاهر فقط لأنه فى الخارج!

و ها هو باب آخر مظلوم يصفقونه بشدة إذا غضب أحدهم من الآخر و ليس له ذنب فى خلافاتهم.

و الأبواب درجات و أنواع مثلما البشر: فمنهم العزيز، و منهم الذليل، منهم المحظوظ و منهم ذو الحظ السيئ.. ثم إنهم يتحاسدون فيما بينهم!

كما نلاحظ التعبير بلسان الحال، و فلسفة إسقاط حديث الباب على الشعب العربى، و ما وصل إليه حالهم وسط العالم؛ يصب تلك المعانى فى قالب هزلى.


 

كُنّا أسياداً في الغابة.

قطعونا من جذورنا.

قيّدونا بالحديد. ثمّ أوقفونا خَدَماً على عتباتهم.

هذا هو حظّنا من التمدّن

ليس في الدُّنيا مَن يفهم حُرقةَ العبيد

مِثلُ الأبواب !

***

وَحْدَهُ يعرفُ جميعَ الأبواب

هذا الشحّاذ.

ربّما لأنـه مِثلُها

مقطوعٌ من شجرة !

***

 

( إلعبوا أمامَ الباب )

يشعرُ بالزَّهو.

السيّدةُ

تأتمنُهُ على صغارها !

***

صدرُهُ المقرور بالشّتاء

يحسُدُ ظهرَهُ الدّافىء.

صدرُهُ المُشتعِل بالصّيف

يحسدُ ظهرَهُ المُبترد.

ظهرُهُ، الغافِلُ عن مسرّات الدّاخل،

يحسُدُ صدرَهُ

فقط

لأنّهُ مقيمٌ في الخارِج !

***

أَهوَ في الدّاخل

أم في الخارج ؟

لا يعرف.

كثرةُ الضّرب

أصابتهُ بالدُّوار !

***

ليسَ لها بيوت

ولا أهل.

كُلَّ يومٍ تُقيم

بين أشخاصٍ جُدد..

أبوابُ الفنادق !

***

لم يأتِ النّجارُ لتركيبه.

كلاهُما، اليومَ،

عاطِلٌ عن العمل !

***

هاهُم ينتقلون.

كُلُّ متاعِهم في الشّاحِنة.

ليسَ في المنـزل إلاّ الفراغ.

لماذا أغلقوني إذن ؟!

 

***

 
 
 

-حسناً..

هوَ غاضِبٌ مِن زوجته.

لماذا يصفِقُني(يغلقنى بشدة) أنـا ؟!

***

لولا ساعي البريد

لماتَ من الجوع.

كُلَّ صباح

يَمُدُّ يَدَهُ إلى فَمِـه

ويُطعِمُهُ رسائل !

***

( إنّها الجنَّـة ..

طعامٌ وافر،

وشراب،

وضياء ،

ومناخٌ أوروبـّي.)

يشعُرُ بِمُنتهى الغِبطة

بابُ الثّلاجة !

***

في ضوء المصباح

المُعلَّقِ فوقَ رأسهِ

يتسلّى طولَ الليل

بِقراءةِ

كتابِ الشّارع !

***

( ماذا يحسبُ نفسَه ؟

في النّهاية هوَ مثلُنا

لا يعملُ إلاّ فوقَ الأرض.)

هكذا تُفكِّرُ أبواب المنازل

كُلّما لاحَ لها

بابُ طائرة.

***


 

الجَرسُ الذي ذادَ عنهُ (حفظه من) اللّطمات ..

غزاهُ بالأرق.

لا شيءَ بلا ثمن !

***

 

- أنتَ رأيتَ اللصوصَ، أيُّها الباب،

لماذا لم تُعطِ أوصافَـهُم ؟

- لم يسألني أحد !

***

في دُكّان النجّار

تُفكّرُ بمصائرها:

- روضةُ أطفال ؟ ربّما.

- مطبخ ؟ مُمكن.

- مكتبة ؟ حبّذا.

المهمّ أنها لن تذهبَ إلى السّجن.

الخشَبُ أكثرُ رقّة

من أن يقوم بمثلِ هذه المهمّة !

***


 

الأبوابُ تعرِفُ الحكايةَ كُلَّها

من ( طَقْ طَقْ )

إلى ( السَّلامُ عليكم.)

***


 

الأحد، 8 نوفمبر 2009

أنشودة الحزن

الصباح يعنى الإشراق ..يعنى الأمل.. يعنى البسمة.. مع أول صوت لعصفور الصباح ينتشي القلب فرحا بيوم جديد، لكن انطباعات الصباح قد تتحول إلى مشاعر أخرى عند إنسان أيامه مكررة نسخة واحدة بلا فرق سوى تاريخ اليوم، فكلها تبدأ بالبحث عن عمل في دوران مرهق، تليها بعض ألوان من التسالي المتواضعة لقتل الوقت.. لا يدرى كيف أمضاه و لا كم من الوقت مضى، و لعل ذلك يجلب المرح.. و لكنه لا يأتي، و ينتهي اليوم كما بدأ بلا جديد، و انطفأت مصابيح الأحلام برياح الواقع الأليم....أليس هذا سبباً كافيا للحزن؟

يا صاحبى إنى حزين

طلع الصباح فما ابتسمت و لم ينر وجهى الصباح

و خرجت من جوف المدينة أطلب الرزق المتاح

و غمست فى ماء القناعة خبز أيامى الكفاف

و رجعت بعد الظهر فى جيبى قروش

فشربت شايا فى الطريق

و رتقت نعلى

و لعبت النرد الموزع بين كفى و الصديق

قل ساعة أو ساعتين

قل عشرة أو عشرتين

صلاح عبد الصبور


 

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

يا قلوب البشر


لماذا أنت قاسية
يا قلوب البشر

مم خلقتى؟
من لحم و دم
أم حديد و صلب
يا عيون الشر
في جمرة الغضب
و دوائر حمر
في مقلة الجدب
و ثوب المذلة
و سوء الأدب

لماذا أنت يا قلوب قاحلة
أين الثمر؟؟
في الصحارى الواسعة
مهما تعطى.. تظل سائلة

و لا تتبسم..و تقتل الأمانيا
تحيطها المنايا ..و شرور هائلة
و هموم كثيرة تثقل الكواهلا
و دوامات حزن..فى بحور الألم
و نقائض غريبة و أحوال مائلة

مهما ارتوت من عذب الكلم
تجف و تشتد كما الحجر
لماذا أنت قاسية
يا قلوب البشر

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2009

أخ ضائع


أهذا هو الأخ الذي
اختزنته لنوائب الزمان
و مجريات الأمور
و أحداث القدر
نافذتي الواسعة
على عجائب الدهر
و عوالم أُخر....
..
إطلالة الأمل بعين تدور
تدور فتكشف
من الحكمة ما استتر
و أصداء فكر
و نور القمر
...
و ما الأخوة إلا
إيثار و تقدير
و أمنيات خير
و عطاء وفير
بلا سبب ولا تبرير

هي الأخوة
بمعانيها الحلوة
هي صك وعهد
بلا بصمة و لا شاهد
هي الأخوة
أسمى معاني الإنسانية
....
يدخل الشيطان عنوة
يصبح الأخ عدوا
كلمات و عهود تنسى
أين المشتكي و أين السلوى؟

و اختفى الأخ فجأة
تاركا في النفس فجوة

أطاحت رياح الغدر
بمعان رائعة عليا
و عكرت صفو الحياة
و خلفت حطام ذكرى

زمن المؤاخاة مضى
زمن ال "أنـــا" قد أتى
ابحث كما شئت لن ترى
بعد اليوم إخوانا

الثلاثاء، 25 أغسطس 2009

فراشة و زهرة



أيتها الفراشة الزاهية

أهنئـك....
فقد تحررت أخيرا من الجاذبية
التي كانت تشدك لتلك الزهرة الرقيقة
الزهرة التي تفتح أوراقها مع الإشراقة
و تغلقها عند حلول الظلام
أغمضتى عينيك بقوة
أيتها الفراشة الذكية لبرهة
لئلا تبهرك أنوار تلك الزهرة المضيئة
و لما ابتعدتى عن مركز النور
كنتى كاملة الإبصار بلا تحيز و لا انبهار
لما ابتعدتى عن مركز الجاذبية
أصبحتى من الأحرار

أيتها الفراشة الشجاعة

أحييك...
لقد تحملتى آلام البعد
عن نبع سعادتك و روح حياتك
و السلسبيل..
الذى تتجدد مياهه دوماً
فتطرد الملل و عطش الصبار
و اطمئنى..
فرحيق الأزهار
واسع الانتشار
سيصل إليكى مع الهواء
أو عبر الأنهار

أيتها الفراشة البعيدة
أراقبك..
كم أنتى حكيمة
رأيتى الدنيا من على البعد
فعرفتى الحقيقة
أن الزهرة مكانها فى الأرض
و الفراشة فى الأجواء السعيدة
أن الزهرة ثابتة
و الفراشة حركتها أكيدة
فلن تطير الزهرة و لن تستقر الفراشة
تلك طبيعة الحياة

وسوف تغلق تلك الزهرة المهجورة
أوراقها للمرة الأخيرة
وعندما يشرق الصباح
تكون قد قررت
أن تبقى كما هي
مغلقة إلى الأبد.

الخميس، 6 أغسطس 2009

غير مجد

تتعاقب في حياة الإنسان أيام حزن و أيام فرح، و كلها تمضى.. فلا سعادتنا و تعلقنا بالأيام السعيدة يبقيها، و لا هروبنا و تألمنا من الأيام الحزينة ينهيها، فكلها على الإنسان مفروضة..اسعد كما تشاء و غنى، أو ابك ليل نهار و عش في شجن ..كله سواء.. فالنهاية في الحالتين واحدة: أيام تمضى من العمر ولا تعود أبدا.

ألا ترى أن صوت الحمامة لا يكاد يتميز هل هو بكاء أو غناء رغم تأرحجها على غصن الشجر بسعادة ظاهرة؟ لكن ليست ضحكة الوجه دليلا أكيدا على سعادة القلب.

أعداد البشر لا تحصى منذ بدء الخليقة فأين ذهبت قبورهم؟ لابد أنها اختلطت بتراب الأرض الآن فهل تستطيع أن تسير على الأرض بغرور و خيلاء بعد أن علمت أنك ربما تسير على بقايا و رفات جدود الجدود؟ فلتمشى بخفة إذن على الأرض أو سر في الهواء إن استطعت.

لا تتعجب فإنها وجهة نظر أبى العلاء المعري الشاعر الكفيف البصر فالدنيا بالفعل سوداء في عينيه و لكنها كلمات قد تكون صائبة في جانب كبير منها.

كيف يريد الإنسان الاستزادة من الحياة؟ و هي التعب بعينه و أحزانها تفوق سرورها، قس على ذلك سرور لحظة الميلاد كيف تستمر برهة، و رهبة لحظة الموت كيف تستمر شهورا كثيرة..

و هل الموت سوى نومه طويلة يرتاح فيها ذلك الجسد المنهك طوال سنين الحياة، يرتاح من الكدح والسعي و الجري وراء أسباب الحياة، و معاناة الابتلاءات التي تفاجئه من وقت لآخر لتنتقص من أسباب سعادته و تحول دون اكتمالها؟ أليست هذه طبيعة الحياة الدنيا؟ فليتقبل الإنسان أحداثها بلا أسى و لا فرح و لا يسرف في الانفعال، فكل حدث مكتوب قبل حدوثه و لا يملك الإنسان أمام القضاء شيئاً سوى الرضي به لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.


 

غير مجد في ملتي واعتقادي نــــــوح باك ولا ترنم شاد

وشبيه صوت النعي إذا قيس بصوت البشير في كل ناد

أبكت تلكم الحمامــة أم غنت على فــــرع غصنها المياد

صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد


 

خفف الوطء ما أظن أديم الارض إلا من هذه الاجسام

وقبيح بنا، وإن قــــدم العــــــهد هـــــوان الآبـــاء والأجـــداد

سر ان اسطعت في الهواء رويداً لا اخـتيالاً عــلى رفات العباد

رُب لحد قد صار لحداً مراراً ضاحكا من تزاحم الأضداد

ودفين على بقايا دفين في طويلا لأزمان والآباد


 

تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب في ازدياد

ان حزناً في ساعة الموت اضعاف سرور في ساعة الميلاد

انما ينقلون من دار أعمال إلى دار شقوة او رشاد

ضجعة الموت، رقدة يستريح الجسم فيها والعيش مثل السهاد

الخميس، 23 يوليو 2009

صورة طبق الأصل

رؤية الأطفال ليست دائماً مبهجة.. فشاعرنا اليوم هاجت نفسه بذكرى حزينة لما رأى طفلا صغيرا منكس الرأس مكسور النفس يشبهه في طفولته و قسوة الحياة عليه، و تذكر ماضيا جاهد نفسه كثيرا ليمحوه من ذاكرته، و سرعان ما غمره الأسف على هذا الطفل الذي تنبأ له بحياته في المستقبل التي لابد و أن تشبه حياة الشاعر، فذلك الشقاء الذي تعرض له سوف يعلمه فلسفة الحياة و يهبه حكمتها و يريه حقيقتها المرة و بالتالي سوف يكون هذا الطفل شديد الحساسية و التأثر بنظرة الناس التي لا تقدر إلا الأغنياء و تزن الناس بأموالهم لا بعقولهم، و سيظل يفكر و يفكر و يسأل العشرات من الأسئلة و لا من مجيب، و لا مهرب من حيرته في الحياة سوى لحظات إيمانية تقربه من ربه.

و هكذا كشف الشاعر في لحظة غطاء المستور من أيام ذلك الطفل البائس الذي تعاطف معه كأنه جزء من حياته و ماضيه.

لم ألق طفلا معذبا إلا ذكرت طفولتي

و عرفت محنته التي نهضت تطابق محنتي

و رحمت شقوته و إن لم يستفد من رحمتي

أسفي عليه مؤرقي إذ بات يعرض صورتي

و لعله في عمره الباقي يجدد سيرتي

فيفلسف الأشياء فلسفة تماثل حكمتي

يرى رياء الذل يفصح عن ضمير ميت

و يرى الإباحي استعار عباءة المتزمت

تطغي عليه شجونه و الموت إن لم يكتب

و يبيده فرط الشعور كما أباد شيبتي

و تطول ليلته عليه كما ترامت ليلتى

إن ضاق ذرعاً صاح وارباه طالت حيرتي

و يسوق أسئلة تمر بلا جواب مسكت

فإذا دهته منية وافته مثل منيتي

إني شرحت حياته سلفاً لأشرح قصتي

**** الطفل المعذب / محمد رجب البيومى***

السبت، 11 يوليو 2009

قمة الرومانسية

الأشعار الرومانسية كثيرة و لكن إبراهيم ناجى كانت مناجاته أرق و أفضل ما كتب في الرومانسيات ، و لعل هذه القصيدة هي القمة في قصائده.

و سأعرضها كاملة حتى لا أفسد تتابع خيوط المعاني الجميلة الرائعة.

فلنتأملها معاً كي نحلق في سماء الحب الصافي:

شاعرنا يصف معاناته: إنه لا يكاد يصدق أن محبوبته ما هي إلا نجم أنار سماءه فأسعده ثم اختفى هكذا؛ أين تلك الأنوار التي كانت ترسلها إليه في دنياه من خلال شعاع رقيق هائم؟ أين؟ لقد تحولت الآن تلك الأشعة إلى قضبان سجن حوله يمنعه من الهروب من التفكير فيها.

ثم قرر النسيان فلا يوجد غيره علاج للبعد و الهجران؛ و كل شيء يهون بعد فترة حتى الجروح و الطعنات الدامية لابد لها من شفاء، و لكن هيهات.. فذلك الحب العنيد أبى إلا أن يزيد و يزيد ليغمره بجنون فحول حياته إلى مزيج من اليأس و الأمل و الظنون و الوهم، و أدرك الحقيقة الأليمة أنه لا يستطيع النسيان أبداً.

و لكن هل يندم ناجى على حبه المخلص؟ كيف يندم و قد أرساه ذلك الحب على بر الأمن و السلام بعد طول إبحار و غربة ؟ كيف لا يندم و قد أذاقه مرارة الفراق و الصراع بين حنين قلبه و كرامته الجريحة؟ لقد تعلم من حبها الكثير.. أحب به الناس و الدنيا بما فيها و أدرك كم هو شيء عال يسمو فوق كل المشاعر...

آه أيتها الحبيبة كيف هان عليك المحب و رضيت بالبعد؟؟ إنه يعترف - و قليل من الرجال من يعترف - أن هذا الحب أذله و أحنى رأسه.. لقد اعترف بذلك حقاً و لكن ذاك الاعتراف رفعه و أعلى شأنه كإنسان رقيق حساس و لا لوم عليه في صدقه ، إنما اللوم على الحبيبة التي ساعدت الزمان عليه و استجابت لصوت القدر فابتعدت عن دنيا الحب العجيبة التي لا يهون فيها الحب أبداً فما زالت رغم كل شيء ملكة متوجة في برج عال يرجو الوصول إليه.

آه لهذا القلب الملهوف فقد كانت كل دنياه...

كيف يثبت لها حبه ، فلتسأل إذن عينيه التي خبأت صورتها بين الجفون و رفضت النوم وفاء بعهد قديم، آه لو علما الغيب و عرفا أن الفراق قدر مكتوب عليهما..فما أشد جهلهما و حزنهما.

و تلك الحياة ما قيمتها إذا ما صحا القلب وحيدا و نام وحيدا و اختفي الرفيق الذي تشرق به الحياة و فقد كل شيء معناه و استقرت المرارة في النفس.. حتى الطعام و الشراب ليس له طعم بل كأنه سم سيئ المذاق.

و لكن يبقى شيء .. لقد كانت المحبوبة جزءا من كيانه فهي إذن معه حتى و إن بعدت على الأرض كانت تشعر و تفكر مثله تماما في كل وقت؛ حتى أن قلبيهما ينبضان نفس النبض.. إنهما في النهاية نبض واحد.

نحن نبضٌ واحـدٌ
لا تقل لي ذاك نجمٌ قد خبـا **** يا فـؤادي .. كل شيءٍ ذهـــبا
ذلك الكوكب قد كان لعـيني **** السماوات .. وكان الشـــــهـبا
هذه الأنوار.. مــا أضـيعها **** صرن في جـنبي جراحا وظبـى
كلما أهـدت شــعاعا..خلّفت **** بعده سـجنا ومدّت .. قـُضــــبا


قـلتُ أسلوكِ..وكم من طعنةٍ **** بالمدارة.. وبالوقت.. تهــــون
فاذا حبكِ.. يطغى.. مزبـــدا **** كدفوق السيل طغيان الجـــنون
وكذا تمضي حـياتي.. كلها **** بين يأسٍ.. ورجـاء.. وظـنـــون
ما على الهجـر معينٌ أبدا **** وعلى النسيان لا شـيءٌ يُعـــــين


ذلك الحب الذي.. فـزت به **** لا أبالي فيه الـوان المـــلامـــهْ
ذلك الشط الذي.. ذقـت به **** بعد لُـجٍ .. أمـنا.. وســـــــلامـــهْ
انه مـزّق قـلبي .. قـسوة **** وسقاني المرّ من كأس الندامـــه
صار نارا ودمارا في دمـي **** وصراعا بين قـلب .. وكرامـــهْ


ذلك الحـب .. الذي علمني **** أن أحب الناس والدنيا جميعـــــا
ذلك الحـب.. الذي صوّر من **** مجدب القفر لعـينيّ.. ربيعــــــا
انه بصّـرني .. كيف الورى **** هدموا من قدسه الحصن المنيعا
وجلا لي الكون في أعـماقه **** أعـينا تبكي دماء..لا دمــــــوعا
لم تُعنِيني على صرف النوى **** آه لو كنتِ على الدهر أعـنتِ
قـدرٌ .. نكّس منّي.. هــــامتي **** آذن الدهـــــر..ببينٍ .. وأذنتِ
وعجيبٌ أمرُ حـب .. لم يهن **** هو لو هان على نفسي.. لهُنتِ
لهـف قـلبي لهفة لا تنقضي **** كنت دنياي جميعا.. كيف كنتِ


كنتِ في برجٍ من النور على ****قـمة شـاهـقة تغزو السحـــــابا
وأنا منكِ.. فراشٌ .. ذائــــبٌ ****في لجين من رقيق الضوء ذابا
فـرحٌ..بالنور والنار معــــــا ****طار للقمّة محــــــــموما .. وآبا
آب من رحلته .. محـترقــــا ****وهو لا يألوك حبا .. وعتــــابا


برئت نفسي من الحقد..ولم ****أخـف ضغـنا لكِ بين العبـرات
ان يوما واحدا .. أسعـــدني ****جمع الأفـراح طُـرّا من شـتات
وهو عمرٌ كاملٌ ..عـشتُ به ****كل أعمار الورى .. مجتمعات
لستُ أنساكِ .. وقد علمتني ****كيف يحيا رجلٌ.. فوق الحياة


ياابنة الأصداف والبحرأبي ****قبل أن يُلقي بي الموج هـنــا
سائلي الأعماق عن غـوّاصها ****أنا صـيّاد .. لآليها .. أنا
ان هجرنا القاع والليل إلــى****قـممٍ شـمٍ وعـشنا في السّـنا
فـبنا الأمواج والصخرُ وما ****برح العاصـف..في أعـماقـنا


عـاصـفٌ عـاتٍ .. تمنيت له ****هـدأة .. أين له ما تطلـــــــبين
اسألي .. عن مـقلة مخلصة ****خبّأت رسـمكِ .. في جفن أمين
سهرت ترعاك .. مهما لقيت ****في سبيل العهد والود المكيـن
أقـسمت لا تسأل النوم..ولا ****تطلب الرحمة منه.. بعض حين
يا لجهل اثنين أقــــدارهما ****آه يا ليتهما .. قـد عـــــــرفا
ما الذي نصنعُ بالعيش اذا ****ما صحا القلب غـريبا وغـفا
ما الذي نصنع بالعيش اذا ****ما السبيلان عليه .. اختلفــا
ما الذي نصنع بالعيش اذا ****صار تذكارا فأمسى .. أسـفا


عندما تقفرُ دارٌ من رفـاق ****وتحس السـمّ في كأسٍ.. وسـاقِ
عندما..يكشف بؤسٌ .. وجهه ****سافر اللعنة.. مفقود الخلاق ِ
عندما.. تُمســــي بظـلٍ عالقا ****وبخيط الوهـم مشدود الوثاق ِ
يا فؤادي انظرْ وفكّـــرْ وأفقْ ****أيّ قـيدٍ لك بالاحباب .. باقِ ِ


قم بنا والكون جهم كالدجى****نتلمّس .. من جحيمٍ .. مخرجا
وانجُ منه ببقايا .. رمـــــقٍ ****أوحطام .. وقـليلٌ.. من نجـــا
لا تُدر رأيا به أضْـــيع..من ****في لظاه .. مستعـينٌ بالحجــا
واسـأل الرحمن.. أن يصلح ****عهـدا كسيحا وزمانا أعـرجا


عشتُ وامتدّت حياتي لأرى في ****الثرى من كان قبلا في القممْ
انهيار .. المثُل العـليـــــــــــــــا ****وانكار آلاءٍ .. وكفرٌ بالقيمْ
من يكن عـضّ بنانا..نادمــــــــا ****فأنا .. قـطّعت ابهام الندمْ
واذا انحطّ زمانٌ.. لم تجــــــــــد **** عاليا ذا رفـعةٍ .. الا الألمْ


ضحكةٌ .. ساخـرةٌ .. هازلةٌ **** وخيالٌ تافهٌ .. هذي الحـياهْ
هذه الأكذوبة الكبرى التي **** خُدع الناس بها .. وا أسفاه
ذلّ فيها المال والجـــاه الى**** أن غدا أحقرها مال .. وجاه
نحمــــد الله.. على أنّا بـها **** لم نصن من ذلةٍ.. الا الجباه
هو في الأفق بعيدٌ وهو دان **** هو لي نفسي وروحي.. وكياني
مخطيءٌ من ظـنّ أنّا مهجتان **** مخطيءٌ من ظـنّ أنّا.. توأمانِ
هو شطر النفس.. لا توأمــها **** هو منها.. هو فيها.. كــــل آنِ
نحن نبضٌ واحدٌ .. نحن دمٌ **** واحدٌ حتى الردى .. متحـدان

****************


 


 

الأحد، 28 يونيو 2009

هربت

عندما يضيق الإنسان بنفسه أو تضيق نفسه به؛ يجد جدراناً طويلة قد امتدت حوله مثل قضبان السجن، فإذا بالمنزل الذي يفترض أنه سكنه و مستقر هدوئه و راحة باله؛ كالنار المشتعلة من حوله تريد أن تفترسه و تلسعه، فما أشد الوحدة و عذاب الفكر الشريد، فلم البقاء إذن في المنزل؟ فلينطلق في أرض الله الواسعة لعله يجد ما يشغله و يملأ فكره المضطرب و لكن كيف يرى جمالاً حوله؟ و هل ينبع جمال الكون إلا من جمال النفس؟ كيف يريد السعادة و قد كتبت عليه الوحدة؟ حقاً انه خرج بلا هدى فليس لديه حبيب و لا صديق ينوى مقابلته إنما هو الهروب... هروب من المكان و يا ليته كان هروباً من الأحزان.

ثم ماذا؟ عندما يحل التعب لا مفر من العودة من حيث أتى... لتعيد الأيام دورتها من جديد.


 

أخلو وحيدا بداري فما يقر قراري

أحس ما دمت فيها لذعا كلذع النار

حيران أسأل عما به يتاح قراري

فإن تسنى سبيل هربت دون انتظار

هربت لا لحبيب تشتاقه أنظــــــاري

هربت لا لصديق أبدي له أســــراري

هربت لا لحديث في ندوة السمـــــــار

أسير دون اتجاه مبلبل الأفكـــــــــــــار

الكون حولي جميل و مقلتي في ازورار

و النهر عاص بعيني رغم النمير الجاري

أمضى و أمضى فلما تعبت يممت دارى

أظل فيها وحيدا فما يقر قراري

مأساة قلب وحيد تزداد بالتكرار


 

*** محمد رجب البيومي***


 


 

الجمعة، 19 يونيو 2009

كن بلسما

هل يصح أن يكون الإنسان مرآة لغيره من الناس؟ إن أحسنوا أحسن إليهم و إن أساءوا أساء؟

هل يرضى من يربط العطاء بالجزاء بأن يكون أقل من الزهرة الفواحة بالعطر الجميل تمتع كل من حولها أو الطير الشادي عذب الصوت يطرب السامعين، هل تنتظر هذه المخلوقات الشكر من الناس؟ كلا .. إنها فطرتها التي فطرها الله عليها، فقد ألهمها الله سر الحياة: أن السعادة في العطاء لا الأخذ... ألا يتعلم الإنسان من الطير و الزهر فيكون بمثل هذا النقاء و الصفاء؟

إن كانت الدنيا من حولك تفيض مرارة و خبثاّ، قسوة و لؤماً، فلتكن أنت اللسان العذب و القلب الحنون و العلاج الشافي لأحزان الحياة، بالكلمة الطيبة تلين القلوب و البسمة الحانية تزيل الخطوب و جفاء المشاعر بالرفق يذوب... و ليس هناك من دواء آخر.

و قدم المحبة للجميع.... ألا يكفى ما للحب من


مآثر؟


بالحب تشرق الدنيا و تزدهر و تصبح الأشواك حريرا و الفقر غنى و البيت الصغير قصرا و ينعكس جمال الروح على الحياة فتراها جميلة رغم كل شيء.


كن بلسما إن صار دهرك أرقما *** و حلاوة إن صــــــــار غيرك علقـماً

أحسن و إن لم تجز حتى بالثنـــا *** أى الجــــــــزاء الغـيث يبغي إن هما

من ذا يــــــكافئ زهــــرة فواحة *** أو من يثيب البــــــــــــلبل المتـرنما؟

عد الكــرام المحسنين و قســــهم *** بهما تجد هذين منهما أكـــــــــــــرما

يا صاح خذ علم المــــحبة عنهما *** إني وجدت الحب علـــــــــــــماً قيماً

أحبب فيغدو الكوخ قصــــراً نيراً *** و ابغض فيمسي الكون سجناً مظلماً

لا تطلبن محـــــــــبة من جـــاهل *** المرء ليس يحب حتى يفـــــــــــهما


****ايليا أبو ماضي****


لتكن أنت الأفضل،

الاثنين، 8 يونيو 2009

أين الشباب؟

الشباب نعمة لا يشعر بها إلا الشيوخ الذين تقدمت بهم السن و ووصل بهم قطار العمر إلى محطته الأخيرة حيث يتذكر العجوز أيام صباه الجميلة و أنى له الذكرى؟ هل تعيد من الماضي شيئاً سوى الحسرة و التنهدات الأليمة؟ ،فالشيخوخة ضعف يجعل الجسم كله متهالكاً لا يكاد يقوى على شيء: وجهه ينطق بملامح العجز و الكبر، رؤيته للأشياء من حوله ضبابية لا يكاد يميز الوجوه ,أما الأصوات فكأنها آتية من آخر الدنيا ، فإذا أراد القيام من مجلسه جذبه مرة أخرى؛ فليس لديه عزم النهوض و الحركة، و أحزان الشيوخ جبال راسيات فإن طول العمر يشهدهم وفاة الأهل الواحد تلو الآخر و زوال الأحبة أشد وقعا على النفس من انكسارها بين يدي العجز و الوحدة.

نأسف عند سماع خبر موت أحدهم و هو في ريعان شبابه و لا نعلم أنه الله قد وقاه إحساس ذلك الشيخ العجوز الفاني الذي يتمنى الموت ليريحه من عذابه ..فهلا رأينا حكمة الله و تصريفه للأمور و نشكره في كل الأحوال.

أين أيام لذتي و شبابي أتراها تعود بعد الذهاب

ذاك عهد قد مضى و أبعد شيء أن يرد الزمان عهد التصابي

فأديرا على ذكراه إني منذ فارقته شديد المصاب

كل شيء يسلوه ذو اللب إلا ماضي اللهو في زمن الشباب

كيف لا أندب الشباب و قد أصبحت كهلا في محنة و اغتراب

أخلق الشيب جدتي و كساني خلعة منه رثة الثياب

و لوى شعر حاجبي على عيني حتى أطل كالهداب

لا أرى الشيء حين يسنح إلا كخيال كأنني في ضباب

و إذا ما دعيت حرت كأني أسمع الصوت من وراء حجاب

كلما رمت نهضة أقعدتني وينه لا تقلها أعصابي

فجعتني بوالدي و أهلي ثم أنحت تكر في أترابي

كل يوم يزول عنى حبيب يا لقلبي من فرقة الأحباب

*محمود سامي البارودي*

الأربعاء، 27 مايو 2009

ليس في الدنيا ثبوت

هذه الدنيا ببريقها و زخرفها هل تدوم لإنسان مهما علا قدره أو زاد ملكه؟ لا...فلماذا يتناسى الناس هذه الحقيقة؟ إن كل شيء مصيره إلى زوال.. حتى الكلام لابد أن ينتهي لننعم بالسكوت و الهدوء.

و تلك الأملاك التي لا حدود لها .. لقد توارثتها الأجيال؛ ثم عبثت بها الأقدار فأصبحت أثراً بعد عين و لم يبق منها سوى أطلال و ذكرى بعيدة..

و هؤلاء الملوك و الحكام.. أين هم الآن؟ لقد تبدل الحال فانتقلوا من سعة القصور إلى ضيق القبور، من بريق الحياة إلى ظلمة الموت، و لن تنفعهم اليوم مناصبهم و لا ألقابهم التي قاتلوا لينالوها ثم جاهدوا ليحافظوا عليها، فلولا تزودوا بالتقوى.. فهي الزاد الحقيقي الذي يبقى بعد الجري و اللهاث على متاع الدنيا الفاني ... فلا تغتر بالباطل الزائل و تترك الخالد الباقي ..تلك هي حكمة السنين.

كل حي سيموت ليس في الدنيا ثبوت

حركات سوف تفنى ثم يتلوها خفوت
و كلام ليس يحلو بعده إلا السكوت
أيها السائر قل لي أين ذاك الجبروت
كنت مطبوعا على النطق فما هذا الصموت
ليت شعري أهمود ما أراه أم قنوت
أين أملاك لهم في كل أفق ملكوت
زالت التيجان عنهم و خلت تلك التخوت
أصبحت أوطانهم من بعدهم و هي خفوت
لا سميع يسمع القول و لا حيي صوت
عمرت منهم قبور و خلت منهم بيوت
خمدت تلك المساعي وانقضت تلك النعوت
إنما الدنيا خيال باطل سوف يفوت
ليس للإنسان فيها غير تقوى الله قوت


شعر: محمود سامي البارودى

اللقب: رب السيف و القلم

المدرسة الشعرية: مدرسة الإحياء

الثلاثاء، 19 مايو 2009

انتهز الفرص

الحياة فرص نادرة و العاقل حقاً هو من يتصيدها و يحسن استغلالها فهي طوق النجاة للخروج من رتابة الحياة العادية التي تتكرر دون أن تدفع بالإنسان إلى ما يريد؛ و هي الحصان الجامح الذي سينطلق به عابراً كل حواجز الزمن ليصل إلى أحلامه البعيدة، و ليغتنم الشباب عمرهم الثمين قبل أن يدركهم الكبر و تذهب عنهم الصحة ، و ليبادروا بالسعى و الجهاد في معركة الحياة ،و خير السعي ما كان في البكور فهو وقت البركة و توزيع الأرزاق فكيف ينعم فيه الإنسان بالنوم اللذيذ تاركا فرصا ذهبية للخير و الرزق الوفير؟

بادر الفرصة و احــذر فوتــها **** فبلوغ العز في نيــــل الفرص
و اغتنم عمــرك إبان الصبــــا **** فهو إن زاد مع الشــيب نقص
إنما الدنيـــــا خيــــــال عارض **** قلما يبقى و أخبــــــــار تقص
فابتدر مسعــــاك و اعلم أن من **** بادر الصيــد مع الفجر قنص
يكدح العــــــاقل فى مــــــــأمنه **** فإذا ضـــاق به الأمر شخص
إن ذا الحــاجة ما لم يغتــــــرب **** عن حماه مثل طير في قفص

و من الفرص التي يجب انتهازها الاستماع لنصح شيخ عجوز عليم بأحوال الدنيا و أهلها ؛ خبير بخباياها و أسرارها ، هذا الشيخ هو "محمود سامي البارودي"...

و اترك الحرص تعش في راحة **** قلما نال منـــــــاه من حرص
قد يضر الشيء ترجـــــــو نفعه **** رب ظمآن بصفو الماء غص
و احذر النمـــام تأمن كيــــــــده **** فهو كالبرغوث إن دب قرص
و اختبر من شئت تعـــــرفه فما **** يعرف الأخلاق إلا من فحص
هذه حكـــــــمة كهـــــل خــــابر **** فاقتنصها فهي نعـــم المقتنص

الأحد، 3 مايو 2009

لابد للقيد أن ينكسر

الحياة صعبة و لا مكان فيها للضعيف ، و ذوو الهمة فقط هم الذين يفوزون بالمكانة العالية و تعطيهم الحياة من ذخائرها و خيرها أما الذين يجبنون عن مواجهة الصعاب و يرتضون من العيش بأقله و يقنعون بحياة الكسل و الخضوع و الاستسلام لما يسمونه قدراً أو مكتوباً فإنهم المتواكلون و هم عبء على الحياة لذلك فهي تلفظهم و تتركهم في قاع المجتمع فللنجاح ثمن كبير ، و الطموح هو أكسير الحياة و هو الذي يدفع بالإنسان في هول الأخطار لكي يصل إلى غايته المنشودة و آماله البعيدة و لا سبيل إليها إلا ذاك السبيل.

و الإرادة هي السلاح الذي ينبغي للإنسان أن يتمسك به لمواجهة اليأس و الإحباط ، و إرادة الحياة الكريمة هي مطلب و حق طبيعي لكل البشر ، و لهذا فإن النتيجة الحتمية للإرادة و الكفاح هي تحقيق الحرية و انكسار كل القيود التي كانت تكبل الإنسان و تشل حركته في الحياة، هذه الأفكار هي قلب قصيدة الشاعر التونسي الكبير "أبو القاسم الشابى" المشهورة باسم "إرادة الحياة"

إذا الشّعْبُ  يَوْمَاً  أرَادَ   الْحَيَــاةَ       فَلا  بُدَّ  أنْ  يَسْتَجِيبَ   القَـدَر

وَلا بُـدَّ  لِلَّيـْلِ أنْ  يَنْجَلِـــــــــــــي       وَلا  بُدَّ  للقَيْدِ  أَنْ   يَـنْكَسِـــــر

وَمَنْ  لَمْ  يُعَانِقْهُ  شَوْقُ  الْحَيَـاةِ       تَبَخَّـرَ  في  جَوِّهَـا   وَانْدَثَـــــر

فَوَيْلٌ  لِمَنْ  لَمْ   تَشُقْـهُ   الْحَيَاةُ       مِنْ   صَفْعَـةِ  العَـدَم  المُنْتَصِـر

أبو القاسم الشابى استطاع بشفافيته و رقة إحساسه أن يحادث الكائنات من حوله فألهمته هذه الحكمة الغالية

كَذلِكَ  قَالَـتْ  لِـيَ  الكَائِنَـــــاتُ        وَحَدّثَنـي  رُوحُـهَا    المُسْتَتِر

وَدَمدَمَتِ  الرِّيحُ  بَيْنَ  الفِجَاجِ        وَفَوْقَ  الجِبَال  وَتَحْتَ الشَّجَر

إذَا مَا  طَمَحْـتُ  إلِـى  غَـــــايَةٍ       رَكِبْتُ   الْمُنَى  وَنَسِيتُ الحَذَر

وَلَمْ  أَتَجَنَّبْ  وُعُـورَ  الشِّعَـابِ       وَلا كُبَّـةَ  اللَّهَــــبِ   المُسْتَعِـر

لا خيار إما القمة أو القاع في هذه الحياة فأيها تختار؟

وَمَنْ  لا  يُحِبّ  صُعُودَ  الجِبَـالِ        يَعِشْ  أَبَدَ  الدَّهْرِ  بَيْنَ   الحُفَـر

فَعَجَّتْ  بِقَلْبِي   دِمَاءُ   الشَّبَـابِ        وَضَجَّتْ  بِصَدْرِي  رِيَاحٌ   أُخَر

و لما يحتار الإنسان يفزع إلى أمه كي تريح قلبه المضطرب و تنير بصره بالحقيقة ، هكذا سأل الشاعر أمه "الأرض" التي من طينها نشأ ، سألها باستنكار عن مشاعرها تجاه أبنائها البشر: فردت "الأرض" في شموخ و عطف بأن مشاعرها ليست واحدة لكل الناس فعلى قدر الطموح تكون المباركة أو اللعن

وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ - لَمَّا  سَأَلْتُ :       " أَيَـا أُمُّ  هَلْ تَكْرَهِينَ  البَشَــر؟

أُبَارِكُ  في  النَّاسِ  أَهْلَ  الطُّمُوحِ       وَمَنْ  يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ  الخَطَـــــر

وأَلْعَنُ  مَنْ  لا  يُمَاشِي  الزَّمَــانَ        وَيَقْنَعُ  بِالعَيْـشِ  عَيْشِ  الحَجَر

و لا عجب في ذلك فالكون كله منظومة واحدة ينبض بحب الحياة و لا مكان فيه لذوى النفوس الميتة.

هُوَ الكَوْنُ  حَيٌّ ، يُحِــــبُّ  الحَيَاةَ        وَيَحْتَقِرُ  الْمَيْتَ  مَهْمَا  كَـبُر

فَلا  الأُفْقُ  يَحْضُنُ  مَيْتَ  الطُّيُورِ        وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَــر

و مع ذلك فقلب الأم لا ينغلق في وجه أبنائها مهما عصوا و شردوا فلابد يوماً أن تضمهم بدافع الأمومة حتى و إن لم يكونوا أهلاً لهذا العطف.

وَلَـوْلا   أُمُومَةُ    قَلْبِي   الرَّؤُوم        لَمَا ضَمَّتِ  المَيْتَ تِلْكَ  الحُفَـر

فَوَيْلٌ لِمَنْ  لَمْ  تَشُقْـهُ   الحَيَـاةُ        مِنْ   لَعْنَةِ   العَـدَمِ   المُنْتَصِــر!

و ختاماً كان الإعلان الأخير:

وَأَعْلَنَ  في  الْكَوْنِ  أَنَّ   الطُّمُوحَ        لَهِيبُ الْحَيَـاةِ  وَرُوحُ الظَّفَــر

إِذَا   طَمَحَـــتْ   لِلْحَيَاةِ    النُّفُوسُ        فَلا  بُدَّ  أَنْ  يَسْتَجِيبَ  الْقَـدَرْ

تعرض أبو القاسم الشابي لمأساتين في حياته: الأولي عند وفاة والده و هو لا يزال في العشرين من عمره و تحمل حينئذ مسئولية أسرته الصغيرة و الكبيرة ، أما المأساة الأخرى فهي إصابته بداء القلب الذي أذاقت قلبه الدافئ الرقيق ألواناً من الألم حتى توفى متأثراً بمرضه.

لقد كان شاعراً موهوباً عاشقاً لوطنه قلبه مملوء بالأمل و الحب للحياة و أحبته الأرض فضمته في ثراها مبكراً ليرقد فيها بعدما ألبسها ثوب الحياة فى حواره البديع معها ، تلك الحياة التي عاش فيها خمساً و عشرين عاماً فقط هي سنوات حياته القصيرة و لكن ما أغلاها من سنوات أثمرت كلمات خلدت ذكراه لمحبي الحرية و الحياة في كل مكان.

الثلاثاء، 21 أبريل 2009

نسيم الأندلس

ما أصعب أن يتحول الحب بعدما سكن القلب ، ما أشد أن يأتي الفراق بعد القرب ، حينئذٍ تكون الذكريات جراحاً غائرة ليس لها شفاء و يكون الحنين صوراً باهتة تطالعها العيون فتفيض منها الدموع ، و يصبح العمر هشيماً فلا أمل في اللقاء فى الحياة الدنيا فليكن الأمل فى الآخرة ... و هيهات أن يعود الماضي و لا لحظة واحدة منه.
و لكن هل يغير البعد مشاعر المحبين حقاً؟

سوف نعرف رأي ابن زيدون في هذا من خلال تنهداته و حسراته في زمان الوصل بالأندلس

أضْحى التَّنائي بديلاً من تَدانينا، ونابَ عن طيبِ لُقْيانا تَجافينا

ألا! وقدْ حانَ صُبْحِ البَيْنِ صَبَّحَنا حَيْنٌ، فقامَ بِنا لِلحَيْنِ ناعينا

أَنَّ الزّمانَ الذي مازالَ يُضْحِكُنا، أُنْساً بِقُرْبِهِمُ، قد عادَ يُبْكينا

غِيظَ العِدا مِن تَساقينا الهوى فَدَعَوا بأَنْ نَغَصَّ، فقال الدّهرُ آمينا

فانْحَلَّ ما كان مَعْقوداً بأنفسِنا، وانْبَتَّ ما كان مَوْصولاً بأيْدينا

وقدْ نَكونُ، وما يُخْشى تَفَرُّقُنا، فاليَومَ نحنُ، وما يُرْجى تَلاقينا

كُنّا نَرى اليأسَ تُسْلينا عَوارِضُهُ، وقد يئِسْنا فما لليأسِ يُغْرينا

بنْتُمْ وبِنّا، فما ابْتَلَّتْ جَوانِحُنا شوقاً إلَيْكُمْ، ولا جَفَّتْ مآقينا
.
نَكادُ حينَ تُناجيكُمْ ضَمائرُنا، يَقْضي علينا الأسى لو لا تَأَسِّينا
.
حالَتْ لِفَقْدِكُمُ أيّامنا، فغَدَتْ سوداً، وكانت بكمْ بِيضاً ليالينا
.
ليُسْقَ عَهْدُكُمُ عَهْدُ السُّرورِ فماكُنْتُمْ لأَرْواحِنا إلاّ رَياحينا
.
لا تَحْسَبوا نَأْيَكُمْ عَنَّا يُغَيِّرُنا، أنْ طالما غَيَّرَ النَّأْيُ المُحِبِّينا!
.
واللهِ ما طَلَبَتْ أَهْواؤنا بَدَلاًمِنْكُمْ، ولا انْصَرَفَتْ عَنْكُمْ أمانينا
.
ويا نَسيمَ الصَّبا بَلِّغْ تَحِيَّتَنا من لو على البُعْدِ حَيَّا كان يُحْيينا
.
يا جَنّةَ الخُلْدِ أُبْدِلْنا، بسِدْرَتها والكَوْثَرِ العَذْبِ، زَقُّوماً وغِسْلينا
.
إن كان قد عَزَّ في الدّنيا اللّقاءُ بِكُمْ في مَوقِفِ الحَشْرِ نَلْقاكُمْ وتَلْقُونا
.
أبْكي وَفاءً، وإن لم تَبْذُلي صِلَةً، فالطَّيْفُ يُقْنِعُنا، والذِّكْرُ يَكْفينا

الشاعر: ابن زيدون
المحبوبة : ولادة بنت المستكفي
المكان : قرطبة بالأندلس

الاثنين، 13 أبريل 2009

ذو الشعر الأخضر

إذا عرفت ما هو ذو الشعر الأخضر تكسب جائزة رحلة بحرية من نادى اليخت إلى جزيرة نيلسون بأبي قير في يوم عاصف

ذو الشعر الأخضر

الأخضر و الأزرق يتعانق
ذو الشعر الأخضر يتأنق
صخر أملس لا يشعر
بالمد و الجزر تألق
موج البحر .. صخر.. عشب
الكل شقائق
صخر بالعشب تزين
بالفن و الروعة ينطق
افتح عينك أسعد قلبك
سبح ربك
تأمل خلق الله و دقق
هذا الماء الجاري الأزرق
من صخر أملس يترقرق
بضياء الشمس تلألأ
من قال "جماد لا يتحرك"
لم يصدق
ما أجملها لوحة حية
ما أبدعها صنعة خالق

السبت، 11 أبريل 2009

مواكب الحياة

هل حاولت ليلة أن تفترش العشب الأخضر و تتخذ من الفضاء الرحب و السماء الزرقاء غطاءاً و أن تنسى كل ما حولك من هموم وآلام ، طموحات و أحلام متجرداً من كل قناع متجنباً زيف الحياه وغرورها ، لا تستمع إلا لسكون الليل و خفقاته و نغمات الناى التي تكسبه سحراً و تزيده بهاءاً؟ إذا أردت التجربة فانضم معنا إلى "مواكب" جبران خليل جبران و المنطلقة بنا فى محطات الحياه المختلفة – قصيدة "المواكب" من أروع ما كتب خليل جبران و هى ملحمة شعرية بناها على تناقضات الحياه فهى تدعو إلى العودة إلى أحضان الطبيعة و بساطتها و التى تفوق القيم الزائفة للمجتمع المتحضر و تظهرفيها تجربتة العميقة في الحياة و الوجود .... و سوف نستعرض بعض أبياتها

هل فرشت العشب ليلاً ** و تلحفت الفضــــــا
زاهداً فيما ســــــــيأتي ** ناســياً ما قد مضى
و سكوت الليل بحـــــر ** موجه في مســمعك
و بصــــــدر الليل قلب ** خافق في مضجـــعك

هل تخذت الغـاب مثلى ** منزلاً دون القصــور
فتتبعت الســــــــــواقي ** و تسلقت الصخـــور
هل تحممت بعطـــــــــر ** و تنشفت بنـــــــــور

ليس فى الغابات حزن ** لا و لا فيها الهمــوم
فإذا هب نســــــــــــيم ** لم تجئ معه السمـوم
ليس حزن النفـــــــس ** إلا ظل و هم لا يدوم
و غيوم النفس تبــــدو ** من ثناياها النجــوم

ليس فى الغابات علم ** لا و لا فيها الجهــول
فإذا الأغصان مــالت ** لم تقل هذا الجليــــــل
أعطنى النـاى و غنى ** فالغنا خير العلـــــوم
و أنين النـــــاى يبقى ** بعد أن تطفا النــجوم

ليس فى الغــابات حر ** لا و لا فيها الذليـــل
إن بالأنهار طعمـــــــاً ** مثل طعم السلسبيـل
و بها هول و عـــــزم ** يجرف الصلد الثقيل
و أخيراً فلننس كل ما قلنا و لنعد إلى عالم الواقع فلا جدوى من الكلام..

أعطنى الناي و غني ** و انس ما قلت و قلنا
إنما النطق هبـــــــاء ** فأفـدني مــــــــا فعلتا