الشتاء.. ببرودته و عواصفه؛ و شمسه الغائبة و سحاباته الكثيفة؛ و برقه و رعده؛ و دموعه المنهمرة سيولا؛ له مع الشعراء وقفة طويلة و حديث خاص..فقد أسر الشتاء لصلاح عبد الصبور ببعض الأحداث التي سوف تحتويها أيامه و شهوره.
أخبره أنه سيموت وحيدا بعد أن يجف قلبه و يموت فلا يشعر به أحد و لا يحزن عليه مخلوق؛ حتى أبيات شعره التي من أجلها أضاع حياته و أمات قلبه لم تنفعه و تأسى لحاله..و سبب الوفاة جرح نازف في الرأس- ربما من فكرة انفجرت في رأسه - استمر الجرح سنيناً و لم يسع أحد إلى علاجه و مداواته.
و لما نظر إليه الشاعر نظرة استعطاف - أو ربما لوم و عتاب – مستفسرا عن سبب هذه النهاية الأليمة؛ باح له الشتاء بالسر : لكي يتجنب هذا المصير كان عليه أن يختزن من ذكريات الصيف الجميلة الدافئة ما يعينه على تحمل برودة الشتاء, و حيث أن الشاعر كان سفيهاً مبذراً– باعترافه- فقد أضاع كل مشاعره و حبه قبل حلول الشتاء فاستحق تلك النبوءة.
ينبئني شتاء هذا العام أنني أموت وحدي
ذات شتاء مثله.. ذات شتاء
ينبئني هذا المساء أنني سأموت وحدي
ذات مساء مثله.. ذات مساء
و أن أعوامي التي مضت كانت هباء
و أنني أقيم في العراء
ينبئني شتاء هذا العام أن داخلي
مرتجف بردا
و أن قلبي ميت منذ الخريف
ينبئني شتاء هذا العام أن هيكلي مريض
و أن أنفاسي شوك
و أن كل خطوة في وسطها مغامرة
و قد أموت قبل أن تلحق رجل برجل
في زحمة المدينة المنهمرة
أموت لا يعرفنى أحد
أموت لا يبكينى أحد
ينبئني شتاء هذا العام أن ما ظننته
شفاي كان سمى
و أن هذا الشعر حين هزني أسقطني
و لست أدرى منذ كم من السنين قد جرحت
لكنني من يومها ينزف رأسي
الشعر ذلتي التي من أجلها هدمت ما بنيت
من أجلها خرجت
من أجلها صليت
و حينما علقت كان البرد و الظلمة و الرعد
ترجني خوفا
و حينما ناديته لم يستجب
عرفت أنى ضيعت ما أضعت
ينبئنى شتاء هذا العام أننا لكى نعيش فى الشتاء
لابد أن نخزن من حرارة الصيف و ذكرياته دفئا
لكنني بعثرت كالسفيه في مطالع الخريف
كل غلالى.. كل حنطتى و حبى