الثلاثاء، 21 أبريل 2009

نسيم الأندلس

ما أصعب أن يتحول الحب بعدما سكن القلب ، ما أشد أن يأتي الفراق بعد القرب ، حينئذٍ تكون الذكريات جراحاً غائرة ليس لها شفاء و يكون الحنين صوراً باهتة تطالعها العيون فتفيض منها الدموع ، و يصبح العمر هشيماً فلا أمل في اللقاء فى الحياة الدنيا فليكن الأمل فى الآخرة ... و هيهات أن يعود الماضي و لا لحظة واحدة منه.
و لكن هل يغير البعد مشاعر المحبين حقاً؟

سوف نعرف رأي ابن زيدون في هذا من خلال تنهداته و حسراته في زمان الوصل بالأندلس

أضْحى التَّنائي بديلاً من تَدانينا، ونابَ عن طيبِ لُقْيانا تَجافينا

ألا! وقدْ حانَ صُبْحِ البَيْنِ صَبَّحَنا حَيْنٌ، فقامَ بِنا لِلحَيْنِ ناعينا

أَنَّ الزّمانَ الذي مازالَ يُضْحِكُنا، أُنْساً بِقُرْبِهِمُ، قد عادَ يُبْكينا

غِيظَ العِدا مِن تَساقينا الهوى فَدَعَوا بأَنْ نَغَصَّ، فقال الدّهرُ آمينا

فانْحَلَّ ما كان مَعْقوداً بأنفسِنا، وانْبَتَّ ما كان مَوْصولاً بأيْدينا

وقدْ نَكونُ، وما يُخْشى تَفَرُّقُنا، فاليَومَ نحنُ، وما يُرْجى تَلاقينا

كُنّا نَرى اليأسَ تُسْلينا عَوارِضُهُ، وقد يئِسْنا فما لليأسِ يُغْرينا

بنْتُمْ وبِنّا، فما ابْتَلَّتْ جَوانِحُنا شوقاً إلَيْكُمْ، ولا جَفَّتْ مآقينا
.
نَكادُ حينَ تُناجيكُمْ ضَمائرُنا، يَقْضي علينا الأسى لو لا تَأَسِّينا
.
حالَتْ لِفَقْدِكُمُ أيّامنا، فغَدَتْ سوداً، وكانت بكمْ بِيضاً ليالينا
.
ليُسْقَ عَهْدُكُمُ عَهْدُ السُّرورِ فماكُنْتُمْ لأَرْواحِنا إلاّ رَياحينا
.
لا تَحْسَبوا نَأْيَكُمْ عَنَّا يُغَيِّرُنا، أنْ طالما غَيَّرَ النَّأْيُ المُحِبِّينا!
.
واللهِ ما طَلَبَتْ أَهْواؤنا بَدَلاًمِنْكُمْ، ولا انْصَرَفَتْ عَنْكُمْ أمانينا
.
ويا نَسيمَ الصَّبا بَلِّغْ تَحِيَّتَنا من لو على البُعْدِ حَيَّا كان يُحْيينا
.
يا جَنّةَ الخُلْدِ أُبْدِلْنا، بسِدْرَتها والكَوْثَرِ العَذْبِ، زَقُّوماً وغِسْلينا
.
إن كان قد عَزَّ في الدّنيا اللّقاءُ بِكُمْ في مَوقِفِ الحَشْرِ نَلْقاكُمْ وتَلْقُونا
.
أبْكي وَفاءً، وإن لم تَبْذُلي صِلَةً، فالطَّيْفُ يُقْنِعُنا، والذِّكْرُ يَكْفينا

الشاعر: ابن زيدون
المحبوبة : ولادة بنت المستكفي
المكان : قرطبة بالأندلس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق