الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

نبوءة الشتاء

الشتاء.. ببرودته و عواصفه؛ و شمسه الغائبة و سحاباته الكثيفة؛ و برقه و رعده؛ و دموعه المنهمرة سيولا؛ له مع الشعراء وقفة طويلة و حديث خاص..فقد أسر الشتاء لصلاح عبد الصبور ببعض الأحداث التي سوف تحتويها أيامه و شهوره.

أخبره أنه سيموت وحيدا بعد أن يجف قلبه و يموت فلا يشعر به أحد و لا يحزن عليه مخلوق؛ حتى أبيات شعره التي من أجلها أضاع حياته و أمات قلبه لم تنفعه و تأسى لحاله..و سبب الوفاة جرح نازف في الرأس- ربما من فكرة انفجرت في رأسه - استمر الجرح سنيناً و لم يسع أحد إلى علاجه و مداواته.

و لما نظر إليه الشاعر نظرة استعطاف - أو ربما لوم و عتاب – مستفسرا عن سبب هذه النهاية الأليمة؛ باح له الشتاء بالسر : لكي يتجنب هذا المصير كان عليه أن يختزن من ذكريات الصيف الجميلة الدافئة ما يعينه على تحمل برودة الشتاء, و حيث أن الشاعر كان سفيهاً مبذراً– باعترافه- فقد أضاع كل مشاعره و حبه قبل حلول الشتاء فاستحق تلك النبوءة.

ينبئني شتاء هذا العام أنني أموت وحدي

ذات شتاء مثله.. ذات شتاء

ينبئني هذا المساء أنني سأموت وحدي

ذات مساء مثله.. ذات مساء

و أن أعوامي التي مضت كانت هباء

و أنني أقيم في العراء

ينبئني شتاء هذا العام أن داخلي

مرتجف بردا

و أن قلبي ميت منذ الخريف


 

ينبئني شتاء هذا العام أن هيكلي مريض

و أن أنفاسي شوك

و أن كل خطوة في وسطها مغامرة

و قد أموت قبل أن تلحق رجل برجل

في زحمة المدينة المنهمرة

أموت لا يعرفنى أحد

أموت لا يبكينى أحد


 

ينبئني شتاء هذا العام أن ما ظننته

شفاي كان سمى

و أن هذا الشعر حين هزني أسقطني

و لست أدرى منذ كم من السنين قد جرحت

لكنني من يومها ينزف رأسي


 

الشعر ذلتي التي من أجلها هدمت ما بنيت

من أجلها خرجت

من أجلها صليت

و حينما علقت كان البرد و الظلمة و الرعد

ترجني خوفا

و حينما ناديته لم يستجب

عرفت أنى ضيعت ما أضعت


 

ينبئنى شتاء هذا العام أننا لكى نعيش فى الشتاء

لابد أن نخزن من حرارة الصيف و ذكرياته دفئا

لكنني بعثرت كالسفيه في مطالع الخريف

كل غلالى.. كل حنطتى و حبى