رؤية الأطفال ليست دائماً مبهجة.. فشاعرنا اليوم هاجت نفسه بذكرى حزينة لما رأى طفلا صغيرا منكس الرأس مكسور النفس يشبهه في طفولته و قسوة الحياة عليه، و تذكر ماضيا جاهد نفسه كثيرا ليمحوه من ذاكرته، و سرعان ما غمره الأسف على هذا الطفل الذي تنبأ له بحياته في المستقبل التي لابد و أن تشبه حياة الشاعر، فذلك الشقاء الذي تعرض له سوف يعلمه فلسفة الحياة و يهبه حكمتها و يريه حقيقتها المرة و بالتالي سوف يكون هذا الطفل شديد الحساسية و التأثر بنظرة الناس التي لا تقدر إلا الأغنياء و تزن الناس بأموالهم لا بعقولهم، و سيظل يفكر و يفكر و يسأل العشرات من الأسئلة و لا من مجيب، و لا مهرب من حيرته في الحياة سوى لحظات إيمانية تقربه من ربه.
و هكذا كشف الشاعر في لحظة غطاء المستور من أيام ذلك الطفل البائس الذي تعاطف معه كأنه جزء من حياته و ماضيه.
لم ألق طفلا معذبا إلا ذكرت طفولتي
و عرفت محنته التي نهضت تطابق محنتي
و رحمت شقوته و إن لم يستفد من رحمتي
أسفي عليه مؤرقي إذ بات يعرض صورتي
و لعله في عمره الباقي يجدد سيرتي
فيفلسف الأشياء فلسفة تماثل حكمتي
يرى رياء الذل يفصح عن ضمير ميت
و يرى الإباحي استعار عباءة المتزمت
تطغي عليه شجونه و الموت إن لم يكتب
و يبيده فرط الشعور كما أباد شيبتي
و تطول ليلته عليه كما ترامت ليلتى
إن ضاق ذرعاً صاح وارباه طالت حيرتي
و يسوق أسئلة تمر بلا جواب مسكت
فإذا دهته منية وافته مثل منيتي
إني شرحت حياته سلفاً لأشرح قصتي
**** الطفل المعذب / محمد رجب البيومى***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق